قصص

قصة اميرة

قصة اميرة مأخدتش بالي من التاريخ غير لما بصيت على النتيجة اللي في الحيطة؛ لأن آخر حاجة بهتَم بها هي التواريخ والمناسبات، مش هكون ببالغ لو قولت إن النهاردة عيد ميلادي؛ واللي كالعادة كنت نسياه لحد ما افتكرته من تاريخ النتيجة.
مكانش بيفكرني به غير ماما الله يرحمها، ومن بعدها مبقتش أفتكره غير لما أسماء صديقتي الوحيدة تبعت لي رسالة وتقول لي: كل سنة وأنتِ طيبة يا أميرة، عيد ميلاد سعيد.
وأنا كنت عندها في معمل التحاليل اللي بتشتغل فيه من فترة مش طويلة، لما طلبت منِّي وأنا بكلمها أروح أعمل شوية تحاليل على شان أطمن على نفسي، لأني كنت حاسة بإرهاق شديد ومالوش تفسير.
مشيت من قدام النتيجة وبصيت في الساعة، كانت عشرة ونص الصُبح، في الوقت ده استلمت رسالة على تليفوني، ولما فتحت الرسالة لقيتها من أسماء زي ما توقعت، كانت عبارة عن تهنئة بعيد الميلاد ومعاها صورة تورتة وشموع، وبعدها بعتت لي رسالة تانية تقول لي إنها هتزورني بالليل زي كل عيد ميلاد.
رديت على رسالتها وشكرتها؛ وقولت لها إني منتظراها، وبعدها حطيت التليفون وروحت أشوف ورايا إيه أعمله، الحقيقة إن مكانش ورايا حاجة معينة، كلها محاولات لكسر الملل على شان الوقت يجري، بقيت ألِف في الشقة اللي اتحولت لمتاهة من بعد ما بقيت لوحدي، وغالبًا كنت بسلّي نفسي بالوقوف قدام المراية، أو لما بحس إن عندي شوية طاقة ألعب شوية تمارين على قد مجهودي، لكن في الفترة الأخيرة نفسي مقفولة عن كل حاجة، حتى زيارة أسماء اللي هتحصل النهاردة حاسة إنها تقيلة على قلبي مش عارفة ليه، معنديش رغبة إني أشوف حد، ولا حتى أشوف نفسي في المراية، بس ما بين وقت والتاني بقول لنفسي: مفيش حد بينعزل عن الناس والدنيا، وبعدين دي صديقة واحدة مفيش غيرها، ومفيش حد غيرها بيسأل عنك، الإنسان ميقدرش يعيش منعزل عن الدنيا والناس لأن الطريق ده نهايته الجنون، ده حتى فكرة الارتباط خرَّجتها برَّه حساباتي، والإنسان الوحيد اللي قرَّب منّي وقال إنه شاريني فضِلت وراه لحد ما طِفِش منّي.
كنت زي اللي بيلِف حوالين نفسه بدون هدف، لحد ما اتفاجأت إني واقفة قدام النتيجة من تاني، وكأني ماشية على خَط دايرة، بدأت من نقطة ورجعت لنفس النقطة من تاني، بس المرة دي رنة التليفون كَسرت الصمت اللي كنت فيه، استغربت إن حد بيرن عليا، وده بسبب إن رقمي مع أشخاص محدودة جدًا، ومفيش حد بيكلمني غير للضرورة، ومش من عادتهم إنهم يتصلوا بيا في عيد ميلادي.
قولت يمكن أسماء، بس هي بعتت رسالة ورديت عليها، يعني مفيش سبب يخليها تتصل تاني، وبعد ما دماغي لفَّت قولت أقطع الشك باليقين، روحت ناحية التليفون ولقيت اللي بيرن رقم غريب، ويادوب فتحت المكالمة قبل ما الرنة تنتهي، ولأني مش متوقعة إن رقم غريب يرن عليا فضلت ساكتة ومنطقتش.
كنت سامعة حد بيتنفس، زي ما يكون هو كمان قرر يسكت وينتظرني، في اللحظة دي قررت أقفل المكالمة، بس تراجعت في اللحظة الأخيرة لما سمعت صوت بيقول:
_كل سنة وأنتِ طيبة يا أميرة!
إيدي اتهزَّت بالتليفون لدرجة إنه قرَّب يقع منّي، بس تمالكت أعصابي ورديت، وكان التوتر والقلق ظاهرين في صوتي لما قولت:
_عصام!
_مكنش ينفع اليوم ده يعدِّي من غير ما أكلمك.
مقدرتش أتحمل صوته وقفلت المكالمة، وبعدها رميت التليفون على الكنبة، مكالمة مكنتش أتوقعها، ده عصام اللي عنده إصرار غريب وغير مُبرر واتقدِّم ليا أكتر من مرَّة وأنا قفلت الباب، وغيَّرت رقمي على شان ميعرفش يتواصل معايا، ورغم كل ده قدِر يوصل لرقمي ويكلمني في عيد ميلادي!
فوقت من تفكيري وأنا ماسكة التليفون في إيدي، وكنت بطلب رقم أسماء بدون ما أنتبه، كنت عايزة أتراجع عن الاتصال بس خلاص، رقمي كان بيرن عليها والمكالمة اتفتحت، واتفاجأت بصوتها:
-آلو.. كل سنة وأنتِ طيبة يا أميرة.
مكنتش عارفة أجمَّع كلمتين على بعض، رديت عليها بصوت مهزوز وقولت:
-وأنتِ طيبة يا أسماء.
-صوتك ماله يا بنتي؟!
_معرفش عصام وصل لرقمي الجديد ازاي!
_بصّي يا أميرة؛ هقول لِك رأيي بصراحة، أنا مش عارفة أنتِ ليه رافضة فكرة الارتباط؛ خصوصًا وإن عصام بيحبك وشاريكي؛ بصراحة مش شايفة مبرر خالص لتفكيرك ده، على الأقل هترتاحي من الوحدة اللي أنتِ عايشة فيها.
_أنا مش مُتقبّلة فكرة إني أرتبط بحد، عايزة أكون لوحدي، شايفة إني مرتاحة كده، وفي حاجة جوايا بتشجّعني إني أفضل لوحدي، بسمع صوت جوايا بيأمرني إني لا أقرَّب من حد ولا حد يقرَّب منّي.
_ده صوت عقلك الباطن يا أميرة، صوت خوفك من إن حد جديد يدخل حياتك؛ بس الحياة مش كده، وبعدين متزعليش منّي؛ أنتِ من بعد مامتك الله يرحمها لازم ترتبطي، وعصام شخص مناسب.
_الموضوع ده كان عامل أزمة بيني وبينها، كانت زعلانة إني رافضة الفكرة، وزعلت منّي لما رفضت عصام أكتر من مرَّة.
_بقول لِك إيه؛ لما نتقابل بالليل نتكلم في الحكاية دي ونشوف لها حل.
قفلت المكالمة معاها وسيبت التليفون مكانه، والتفتت أشوف الساعة بقت كام، في اللحظة دي جسمي اتجمد في مكانه لما سمعت:
_كل سنة وأنتِ طيبة يا أميرة!
كان صوت عصام، الصوت رن في وداني ومكنش مجرد هاجس أو تهيّؤات؛ ولا أقدر أقول إن الكلام علَّق في دماغي لدرجة إن عقلي بيردده، وفي عِز الحيرة اللي كنت فيها سمعت الصوت من تاني، بس كان جاي من جوَّه أوضتي، وبصعوبة أخدت بعضي وروحت على هناك.
مكنتش قادرة أرفع رجلي من الأرض، حسيت إن المسافة بيني وبين الأوضة أميال، كنت مستغربة إزاي الصوت جاي من الأوضة، ومكنتش لاقية تفسير أو سبب إن حاجة زي دي تحصل، ولما وصلت الأوضة بصيت فيها كويس، كانت فاضية ومفيهاش أي شيء مُلفِت للنظر، في الوقت ده تفكيري راح للتهيؤات، وارد جدًا يكون تخيلت الصوت مش أكتر.
ده كان تفكيري في الوقت ده؛ لحد ما عيني جت على مراية التسريحة…
“زي كيا.. كانيا زيا.. انا كانيا..زي دينكير..غنجيج..منجيج..سطلى..مطلى…”.
كان كلام غريب ومش مفهوم مكتوب باللون الأحمر على إزاز التسريحة، وكنت فاتحة بوقّي من الذهول وأنا بقرأ الكلام بعيني ومش قادرة أنطقه، أو مش فهماه على شان أقدر أنطقه بصوت عالي.
بدأت أقرَّب من التسريحة وأنا حاسة برعشة في جسمي، وبسأل نفسي الكلام ده اتكتب إمتى ومين اللي كتبه، دا أنا كنت لسه في الأوضة من شوية ومكانش له أثر.
وقفت مبحلقة في الكلام وأنا بحاول أفهمه، بس لاحظت إنه بيبهَت، وبعدها إزاز التسريحة بدأ يشوِّش؛ زي ما تكون في طبقة ضبابية اتكونت فوقه، أو على شان أقرب الصورة أكتر، الموضوع زي ما يكون في حد واقف قدام إزاز التسريحة وبيتنفّس وطالع من بوقه بخار، ومن بين التشويش اللي حصل؛ بدأت ألمح خيال على الإزاز، كانت ملامح وِش تفاصيله مش واضحة، بس في العموم قدرت أميِّز لون الشعر الأسود الفاحِم، واللي كان بيشبه جدًا لون شعر عصام!
لما لاحظت إن الصورة كانت انعكاس لحد واقف ورايا أعصابي سابت، برغم كده بصيت ورايا أشوف مين اللي واقف وإزاي دخل هنا، لكن مكانش في حد غيري في الأوضة، رجعت بصيت ناحية المراية من تاني وكانت الصورة لسه معكوسة عليها، زي ما تكون المراية شايفة حد أنا مش شيفاه، في اللحظة دي سمعت صوت ضحكة خارجة من المراية، زي ما يكون اللي جواها بيضحك، بيسخر من خوفي وضعفي اللي حاولت أداريهم وفشلت، ولما خوفي زاد ومقدرتش أسيطر عليه خرجت أجري من الأوضة، وفي الصالة انزويت في ركن جنب الحيطة ورا كنبة الصالون، معرفش كنت بستخبى ليه ولا بستخبى من مين، ولا أعرف إن كان ممكن أستخبى أصلًا ولا لأ، بس لقيت نفسي بتصرف كده من الخوف اللي حسيت به، واللي بيخاف مبيكونش عارف هو بيتصرف إزاي.
معرفش ليه حسيت بحد جنبي؛ أنفاسه كانت بتخبط في رقبتي وصوته كان بيهمس في ودني…
“زي كيا.. كانيا زيا.. انا كانيا..زي دينكير..غنجيج..منجيج..سطلى..مطلى…”.
صرخت واتفزعت من مكاني، لدرجة إني جريت وخرجت من الشقة كلها، فتحت الباب ووقفت على السلم، كنت ببُص في الشقة على أمل إني أشوف فيها حد، بس كل حاجة كانت طبيعية، أنا اللي مكونتش طبيعية واليوم ده أحداثة كانت غريبة معايا.
مكنش عندي الجُرأة إني أدخل تاني، ده اللي خلاني قعدت على السلم، لحد ما الوقت فات وسمعت صوت حد طالع، رفعت عيني على شان أشوف أسماء قدامي، كان في إيدها شنطة كبيرة وجواها علبة، وبدون تفكير عرفت إن فيها تورتة، وأول ما شافتني قدامها بصَّت لي وقالت:
_حد في عيد ميلاده يقعد على السلم كده؟
بصيت حوالين نفسي ولقيتني فعلًا قاعدة على السلم، ومكنتش مستغربة من نفسي قد ما كنت مستغربة تصرُّفها، لأنها كملت طلوع السلم ناحية الشقة وهي بتقول:
_التورطة معايا يا أميرة؛ قومي على شان نطفي الشمع.
قاومت خوفي وطلعت معاها، كنت زي اللي تايهة ومش واعية للي بيحصل حواليا، بس كنت شايفة أسماء وهي بتجهز الأطباق وبتطلع التورطة من العلبة، وبعدها حطت رقمين جنب بعض واللي هما عبارة عن سنّي؛ ٢٩ سنة، والرقمين كانوا عبارة عن شموع، التورطة كانت على الترابيزة بيني وبينها، وبعد ما ولَّعت الشموع قامت وراحت ناحية مفاتيح الكهربا، ولما طفَت النور رجعت تاني وقعدت في مكانها، وساعتها بصَّت لي وقالت:
_يلا على شان نطفي الشمع يا أميرة.
كنت حاسة بنفسي متوترة وفيا حاجة مش مفهومة، بس كان عندي رغبة إني أتجاوز الشعور ده، بدأت أبُص لنار الشموع وأنا بقول:
_هابي بيرث…
بس لساني اتعقَد ولقيت نفسي بوقَّف كلامي وبرفع وشّي ناحيتها وأنا جسمي بيتنفض، وساعتها مكانتش أسماء هي اللي قدامي، دا كان عصام!
حسيت إني بقيت أنا والكرسي حتة واحدة، كان جوايا رغبة في الهروب لكن في حاجة كانت مكتفاني، ومكنتش بعمل حاجة غير إني ببُص في وشه اللي كان منور في الضلمة من ورا نار الشموع، وبيبتسم ابتسامة باهتة وغامضة وبيقول:
_كملي يا أميرة على شان نطفي الشمع؛ قولي: زي كيا.. كانيا زيا.. انا كانيا..زي دينكير..غنجيج..منجيج..سطلى..مطلى…”.
محستش بنفسي غير وأنا بصرُخ، وساعتها الهوا اللي كان خارج من بوقي طفى الشموع، والشقة بقت كُحل من حوالينا.
سمعت صوت خطوات في الضلمة، لكن الصوت كان بيبعد عني مُش بيقرب منّي، بعدها المكان نوَّر؛ وساعتها شوفت أسماء وهي واقفة جنب مفاتيح النور ووشها ناحيتي، وبعد ما بصت ناحيتي شوية قالت:
_مالك يا أميرة؟
بلعت ريقي وحاولت أستجمع أعصابي، وبعد ما نجحت إني أعمل ده بالعافية قولت:
_معرفش إزاي شوفت عصام في الضلمة مكانك، كان وشه شاحب ونظرته مخيفة، وبيقول لي كلام غريب، والكلام ده مُش جديد عليا، أنا شوفته مكتوب على إزاز التسريحة النهاردة ومعرفش اتكتب ازاي، وبعدها سمعت حد مش موجود بيهمسه في ودني، ودلوقت شوفت عصام في الضلمة بيقوله.
_أنتِ آخر مرة شوفتي عصام إمتى يا أميرة؟
_شوفته مغيَّر صورة بروفايله على فيس بوك؛ كان راكب حصان أسود ومش من عادته إنه يعمل حاجة زي دي، دا عمره ما ركب خيل؛ ومن ساعتها عملت له بلوك.
_عارفة يا أميرة؛ أنتِ مريضة بعصام، بتحبيه حُب مَرَضي، بس أنتِ عنيدة وبتكابري؛ واللي أنتِ مخبياه جواكي ناحية عصام بيكبر؛ لدرجة إنه بدأ يخرج من جواكي ومش عارفة تسيطري عليه؛ بقيتي بتشوفيه يا أميرة في كل حاجة يا أميرة.
مكنتش قادرة أحدد إن كان كلامها صحيح ولا لأ، بس كل اللي أقدر أقوله إن كلامها كان عكس اللي جوايا، ده أنا حتى لما شوفت صورته صدفة بالحصان على فيس بوك عملت له بلوك.
وقفت تفكيري وأنا ببُص من تاني ناحية أسماء اللي كانت بتكلم كلامها وهي بتبُص لي بصة تحدي…
_أنتِ لعصام وعصام ليكي يا أميرة، أنا فاهمة السبب اللي مخليكي رافضة عصام، أو رافضة الارتباط عمومًا، أنتِ شايفة كل الناس طمعانة فيكي، فاكرة إن عينهم على الشقة والفلوس اللي ورثتيهم من أبوكي وأمك الله يرحمهم، بس عصام مُش كده؛ إحنا نعرف بعض من الجامعة وعارفة كويس إن هو مُش كده.
استغربت كلامها، هي إزاي بتأكد إننا لبعض، وجابت الثقة دي منين، وده اللي خلاني أقول لها:
_إيه الكلان الغريب اللي بتقوليه ده يا أسماء؟!
_ما غريب إلا الشيطان يا أميرة، أنا بقول اللي المفروض يحصل، أو اللي أكيد هيحصل وعن قريب، أنتِ شوفتي حالتك عاملة إزاي، تفكيرك فيه مأثر عليكي ومسبب لِك هلاوس، ويا عالم بكره هيحصل إيه، جايز عنادك يخليكي توصلي لمرحلة أصعب من كده؛ مش بعيد تتجنني يا أميرة، وساعتها كل حاجة خايفة إنها تروح منك هتروح غصب عنك، هتلاقي اللي يُحجر عليكي وياخدها منك، وهيكون مصيرك معروف، أوضة مقفولة وشباك تبُصي منه على الدنيا؛ لو الحُب المَرَضي اللي عندك زاد عن حده هيبقى مصيرك مستشفى نفسي، في حين إنك ممكن تستجيبي لقلبك وتبقي معاه، وتخلصي من الهلوسة اللي بدأت تظهر عليكي، وافقي على عصام يا أميرة.
بعد ما قالت كلامها الغريب؛ سحبت شنطتها ومشيت؛ بعدها فتحت الباب؛ وقبل ما تُخرج بصت ناحيتي وقالت:
_فكري يا أميرة في الكلام اللي قولته، أنا عايزة مصلحتك.
مسمعتش بعدها غير صوت الباب وهو بيتقفل؛ ومعرفش إزاي خرجت من الخوف اللي كنت حاسة به ودخلت في خوف أكبر، قومت من مكاني ودخلت أوضتي، ولما عيني جت على إزاز التسريحة ملمحتش فوقها حاجة مكتوبة، دخلت سريري وكنت حاسة بصداع شديد، عيني بدأت تغمض غصب عني، أو على شان كلامي يكون دقيق؛ حسيت بإيد بتضغط على جفوني على شان تقفلهم، ومن اللحظة دي حسيت إن جسمي بيتخدَّر، وبعدها حسيت بإيد ماشية على جسمي، مكنتش مستوعبة اللي بيحصل وفي نفس الوقت مش قادرة أقاومه.
والصوت رجع يهمس في ودني من تاني…
“زي كيا.. كانيا زيا.. انا كانيا..زي دينكير..غنجيج..منجيج..سطلى..مطلى…”.
مع الصرخة اللي خرجت مني كل شيء اختفى، ولقيت جسمي اتحرر، ساعتها بس قومت من السرير والنوم كان طاير من عيني، ولأن كان جوايا خوف غريب خرجت قعدت في البلكونة، وفضلت على الحال ده لحد ما الشمس طلعت، وبعدها دخلت الشقة تاني.
على الساعة تسعة كنت مغيَّرة هدومي ولابسة هدوم الخروج، ونزلت روحت على معمل التحاليل اللي أسماء بتشتغل فيه، كنت عايزة أعرف هي ليه قالت الكلام ده امبارح، ومكنتش عايزة أكلمها في التليفون، حبيت إننا نتكلم وجهًا لوجه، جايز هي شايفة إني فعلًا في حالة مرضية ممكن تزيد مع الوقت.
وصلت معمل التحاليل ودخلت، بس أسماء مكانتش على المكتب، لكن صوتها بيقول إنها في أوضة فحص العينات، لأني بمجرد ما دخلت سمعت صوتها جوه بتتكلم في التليفون وبتقول:
_آلو.. صباح الخير.
كنت لسه هلفِت نظرها إني موجودة لكن وقفت كلامي فجأة، لأنها كانت بتقول:
_ازيك يا عصام.
كتمت أنفاسي ووقفت أسمع؛ وساعتها سمعتها بتقول:
_الموضوع بدأ امبارح؛ وأنا لما روحت عندها قالت كل حاجة، أصل يصادف إن امبارح كان عيد ميلادها، وهو نفس اليوم اللي هينتهي بالليلة القمرية، دا غير إني أقنعتها بكلمتين إنكم لبعض، ما هو الزن على الودان أمر من السِّحر، وزي ما بيقولوا نواية تسنِد الزير، ومتقلقش؛ المسألة مسألة وقت والمُراد هيتِم، بس متنساش اللي اتفقنا عليه، ومش هيكون كتير، هييجي إيه يعني في اللي هي ورثته، واللي طبعًا هيكون تحت إيدك.
الصدمة اللي أخدتها كانت أكبر من إني أستوعبها، لكن مسكت نفسي وخرجت من المعمل بدون ما تنتبه لوجودي، كل اللي كنت بفكر فيه هو إيه الموضوع اللي حصل امبارح وصادف عيد ميلادي، وإيه علاقته بالمخاوف أو الهلاوس اللي حصلت معايا فجأة.
أخدت بعضي ورجعت على الشقة وأنا دماغي هتنفجر من التفكير، بس معرفش ليه جه في بالي أبحث عن الكلام الغريب اللي سمعته بصوت عصام وقرأته على إزاز التسريحة، ولأن الكلام كان غريب مكنتش حافظاه كويس، قعدت على اللاب توب وفضلت أجرَّب الحروف اللي أفتكرها على جوجل، وبعد وقت طويل لقيت الكلام ظاهر معايا في اقتراحات البحث.
“زي كيا.. كانيا زيا.. انا كانيا..زي دينكير..غنجيج..منجيج..سطلى..مطلى…”.
بعد ما دخلت الموقع اللي كان فيه الكلام ده؛ عرفت إنها تعويذة لجلب الحبيب، وكان مكتوب في العنوان إرسال هاتف عفريت للجلب، ومُلخص الكلام اللي قرأته؛ إن دي تعويذة مهمتها لما بتتسلَّط على حد إنها تخليه يقع في حب شخص معين، وميبطلش تفكير فيه؛ لدرجة إنه مفعولها بيوصل إنها تخلي المسحور يهلوس بالشخص اللي عامل الجلب؛ يسمع صوته أو يشوفه، لدرجة بيوصل في النهاية إن هو اللي بيكون عايز يتخلص من الحالة اللي فيها بإنه يوافق على الشخص اللي عامل الجلب، لمجرد إنه عاوز يخلص من اللي هو فيه.
أول مرة كنت أحِس بالذهول ده، قرأت الموضوع مرة واتنين وتلاتة وأنا مش مستوعبة، وبعدها لاحظت كلمة اتصل بنا في صفحة الموقع من تحت، لقيت نفسي بضغط عليها، وساعتها ظهر لي بيانات من بينها رقم تليفون، نقلته على التليفون وطلبته، ساعتها رد عليا واحد بعد ما عرفني بنفسه بدون ما يقول اسمه، وعرفت إنه معالج روحاني من اللي بيشرفوا على الموقع، وبعد ما حكيت له كل حاجة؛ وأخد اسمي واسم أمي؛ وبعد شوية صمت كنت بسمعه فيها بيقول كلام بصوت خافت؛ أكِّد على اللي فهمته، وقال لي إن دي تعويذة جلب حبيب، وبعدها سألني:
_حد أخد منك خُصلة شَعر أو دَم؟
استغربت سؤاله وقولت له:
_اشمعنى.
_لأن كل سِحر لازم له أَطَر يربُط خادم السحر بالمسحور، والربط هنا عن طريق أَطر فيه من الجينات بتاعتك؛ وغالبًا دَم.
“فلاش باك”…
_إيه ده؛ أميرة بذات نفسها عندي في المعمل؟
_اسكتي يا أسماء، أرق فظيع مش عارفة أتخلص منه.
_طيب إحنا نعمل شوية تحاليل كده ونشوف لو نقص فيتامين أو نشوف إيه المشكلة.
ساعتها سحبت مني أربع سرنجات دم؛ استغربت من الكمية اللي اتسحبت وقولت لها:
_هو مش المفروض اتنين؟
_أنا سحبت على شان لو حبينا نعيد التحليل ونتأكد لو شكينا في حاجة، وبعدين يا أميرة دي علبة عصير هتعوَّض شوية الدم اللي اتسحبوا.
بعد ما افتكرت الحوار ده، واللي دار بيني وبينها من فترة مش بعيدة، بالتحديد قبل ما أشوف صورة عصام بيومين بس، حكيته للشيخ عنه وبعد شوية صمت قال لي:
_سِحر جلب اتعمل عن طريق الدم، والتعويذة اتكتبت بالدم على جسم حصان أسود، واللي عمل الجلب ركبه ولف به تلت لفات، والسحر مفعولة بدأ امبارح؛ لأن امبارح كان ليلة قمرية، بس سحر الجلب بيتحل وبعدها له كورس علاج بتمشي عليه على شان التوابع بتاعته، هتتعبي شوية، هتحسي بحرارة وتكسير في الجسم، ومع الوقت هتبدأي تتحسني والأعراض تختفي، بس لازم اللي عمل الكلام ده رجليه تتقطع من عندك، وبدون ما يعرف إن السِّحر اتفك، أصل اللي يأذيكي مرَّة يأذيكي كل مرة.
نفذت العلاج اللي الشيخ قال عليه؛ واللي كان عبارة عن سبع ورقات سدر أخضر؛ بينطحنوا ويتنقعوا في مايِّه ويتقرأ عليهم آيات إبطال السِّحر، وبيتشربوا تلت مرات في اليوم.
والكورس أخد أربعين يوم كاملين بدون انقطاع، وده طبعًا جنب كورس علاج تاني عن طريق التليفون، كان عبارة عن رقية شرعية واظبت عليهم مع الشيخ، بس كل ده حصل في شقة تانية غير الشقة اللي تعرفها أسماء وعصام؛ لأني بعت الشقة اللي ورثتها عن أبويا وأمي واشتريت شقة في مكان تاني محدش فيهم يعرف مكانها.
مكنتش قادرة أستوعب إن صديقتي الوحيدة تكون سبب اللي حصل معايا، وتتفق عليا مع الشخص اللي كان عاوز يوصل لي على شان اللي عندي، لدرجة إنها اتفقت معاه تاخد مقابل مساعدته على الجواز منّي، بس اكتشفت إن مش كل حد بيقرب من الواحد بيكون بيخاف عليه، ممكن يكون بيقرب منه لغرض في نفسه، ولا كنت مصدقة إن في شخص عاوز يوصل لواحدة لمجرد إنه يحط إيده على اللي عندها، أو على الأقل لو ده موجود في الواقع؛ فمكنتش متوقعة إنه يحصل معايا أنا؛ وبالشكل الدَّنيء ده، ولو كانت رغبتي منعدمة في الارتباط؛ فأنا دلوقت الفكرة نفسها بقت بالنسبة ليا مستحيلة، لأني بحكي قصتي دلوقت وأنا بكتب وصيتي، اللي كتبت فيها إن كل حاجة بمتلكها تتوزع على الملاجئ بعد ما أخرج من الدنيا دي على خير، لأني لا اتجوزت ولا ليا أولاد، وقررت إن كل شيء يروح لأيتام أولى مليون مرة من شخص أرتبط به؛ وفي النهاية هو مش عاوزني أنا، هو عايز اللي عندي وبس.
تمت…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى